عاصفة مزلزلة تكتسح كل شيء تحيله هباء
اشجار تقتلع و بنايات تتهدم .. قلوب تنخلع
عجوز بوجه مجعد وثوب ابيض فضفاض تركض حافية القدمين
بخطوات مرتجفة علي حبات الرمال تحتضن صندوقها الخشبي الذي يحمل ذكريات السنين
بين هبات الرياح طار وشاحها الاسود كاشفا عن خصلات شعرها البيضاء المبعثرة
سارعت بالتقاطه..فيما يتدحرج الصندوق ليصطدم باحد الاعمدة المتصدعة
تنظر لموضعه تختلجها رهبة من لحاقه
على مقربة فتاة تصرخ بين يدي حبيبها وهو في حيرة كيف يداويها
يرى علامات الالم تعتلي وجهها
جروح و حروق تكاد تفتك بجسدها
و هو لا يملك الا بعض الكلمات يواسيها بها
تصيبه الدهشه
اذ لم يعد يشعر بقدمه انها خدرت جراء امتناع الدم عنها
الان يتمتم سامحيني حبيبتي هذا من اجلك
يمسك بذراعها و يبدا بامتصاص دَمِها
وسط المقابر خرقاء تنبش فيها طمعا في عودة ما ولى
تصرخ تصفع وجهها تلعن حظها ترتطم بالارض
تبكي و تبكي من دون توقف
العجوز بدت مترددة في الاقتراب اكثر لكنها فعلت
راحت تقترب من الصندوق في توتر وخوف
الاعمدة المترنحة تربكها وتملؤها رعبا
جثت على ركبتيها و اخذت تلملم حاجياتها بعشوائية
من بين الركام لمحت قلادتها العتيقة التي تحمل بين طياتها صورة ابنتها الوحيدة
وجدتها عالقة باحدى الاسياخ
تنفست بعمق و مضت اليها تجذبها
حركة واحدة خاطئة و تهوي الاعمدة ساحقةً عنقها
حركة واحدة خاطئة و تموت
ستموت نعم حبيبتي ستموت من شدة الوجع
لا اتحمل رؤيتها تتألم
ظلت هذه الكلمات تتردد بداخله محرضة اياه على مواصلة جنونه
مازال يمتص الدم المشبع بالالم ظاناً أنه يبث الخدار فيها
بدات علامات التوجع تهدأ على وجه محبوبته
ارتخى ذراعيها و سقط راسها بين احضانه
ينتفض من مكانه في فزع اذ بدا له ان قلبها يوشك على التوقف
ثم لم يعد يسمع دقاتة .. يزوغ بصره كالمعتوه
التقط قطعة من الزجاج الحاد و سارع يقطع اوردته واحداً تلو الآخر
يقرب يديه من شفتيها الباردتين و هو يفتحهما ببطئ
و راح ينثر قطرات دمه داخل فمها و هو يقول في يأس :
"ارجوك عودي ارجوك"
ثم اخذ يهزها بقوة " عودي عودي ستعودين لن اسمح لك بالذهاب "
ادرك ان مايفعله ليس له اية جدوى
الدماء تنسكب منه بشراهة
مع اخر دمعاته قال بصوت متحشرج : " سامحيني "
يفلت جثتها من بين يديه ليسقط هو الاخر الى جانبها
بينما الاعمدة تسقط لتهشم المسنة بقلادتها المحببة
ليس ذلك بالشيء الهام
فهي لم يعد لديها ما تخسره
مجنونة المقابر
تجلس القرفصاء بجانب شجرة سوداء مقيتة
تذرف دموعها مبللة الاتربة
في غفلة منها تنبت الارض الموتى
جثث معفنة تخرج من تحت التراب جالبة معها مخلوقات العالم السفلي
تذعر البلهاء مما تراه .. يصيبها الهلع
تتراجع للوراء محملقة في كتل العفن التي افرزتها تمنياتها
يجذبها خط من الدماء ليقودها الى قلبها الممرغ في التراب
تبتسم باستهزاء قائلة في ذهول:
ليس هناك داعٍ للفزع